
Полная версия
الأيام الخوالي: قصة حب مريرة وقعت أحداثها في تركستان
– أين رأى أتابك هذه الفتاة؟"
– للأسف لا أعرف.
وعلى الرغم من فهم ضياء شاهيجي الغرض من زيارة حسن علي، فقد واصل طرح الأسئلة:
– "الآن ما الذي تنوي فعله؟"
قال حسن علي: "هذا هو هدفي الرئيس من زيارتي، ولجوئي إليكم؛ لمعرفة هل بإمكانكم تقديم أي فكرة أو وسيلة لحل هذه المسألة، ربما يمكننا التصرف وفقًا لذلك. باختصار، أضع نفسي بين يديكم".
جلس ضياء شاهيجي يفكر، وتمتم أكثر من مرة وهو يستنشق بعض السعوط: "شيء غريب، شيء غريب". وفي غضون ذلك، أخذ حسن علي يطرح أفكاره وملاحظاته عن الأحداث التي أحاطت بوقوع سيده أتابك في الحب.
وفي النهاية قال ضياء شاهيجي: "إنها مسألة حساسة للغاية؛ إذا تزوج أتابك في مرغلان، فسيشعر حاجي يوسف بك بالإهانة لا شك وسيغضب منا".
صاح حسن علي قائلًا: العمر الطويل لكم سيدي، أنا خادمكم المطيع فكرت أيضًا كثيرًا في ذلك، لكن ماذا عسانا أن نفعل؟ ليس أمامنا إلا أن نوافق حتى وإن غضب منا سيدي يوسف بك. لكنني أيضًا أفكر في الجانب الآخر من هذه المسألة: هل تعتقد أن قوتيدار سيوافق على الزواج؟"
فكر ضياء شاهيجي مرة أخرى في الأمر، وحك رأسه ثم قال: "كما ذكرت، إنها قضية حساسة للغاية. أعلم أن قوتيدار معجب بشخصية أتابك، لكن هل هو على استعداد لإرسال ابنته بعيدًا عنه كل هذه المسافة؟ ماذا لو قال: " لن أعطي ابنتي لرجل غريب عن قومنا"؟ لا أعرف".
رد حسن علي: "في رأيي، يجب علينا، على أية حال، أن نطرح الأمر كاملًا على قوتيدار، ونطلب منه الجواب. إذا وافق، فكل شيء على ما يرام، وإن رفض نبلغ أتابك، ربما يبرد قلبه، وينسى الأمر".
استقبل ضياء شاهيجي هذا المقترح بارتياح شديد وأردف: في هذه الحالة، ما رأيك، متى يجب علينا الذهاب إلى قوتيدار؟
– "الأمر متروك لكم."
فكر ضياء شاهيجي هنيهة، ثم ظهرت ابتسامة على وجهه وقال: "سوف نذهب الآن. دعنا نقوم بدور الخاطبة مرة واحدة على الأقل في حياتنا."
عندما ارتقى ضياء شاهيجي الدرج ليرتدي ملابسه، وما إن شرع في ذلك، حتى سأله حسن علي: "هل تعتقد أنه من الجيد أن أرافقك، أو تذهب بمفردك؟"
لوح ضياء قائلًا: "لا ضرر إذا أتيت أنت أيضًا".
8. جالب الخير
كان وقع كلمات ضياء شاهيجي وابتسامته قويًا على قوتيدار، حتى إنه وقع في حيرة من أمره، وجبن عن سؤال الضيوف غير المدعوين عن سبب قدومهم.
قال ضياء شاهيجي مبتسمًا: توقف عن الحركة بلا فائدة، وأسرع بإعداد المائدة للخطاب". وما إن سمع قوتيدار هذه الكلمات، حتى ترك الأغصان المشتعلة في نيران المدفأة، وذهب من فوره لترتيب إعداد الطعام. نظر حسن علي في أثره قائلًا: " اللهم لطفك ورحمتك بنا".
"إن شاء الله، سيكون القدر رحيمًا بنا"، قال ضياء شاهيجي بثقة: "من يمكنه رفض مصاهرة شاب رائع مثل أتابك. لو حدث ذلك لقاطعنا ذلك الرجل للأبد".
عاد قوتيدار إلى الغرفة، وتبادل ضياء شاهيجي وحسن على نظرات ذات مغزى. توقع قوتيدار أن يتحدث الضيفان غير المدعوين وعلى رأسهم ضياء شاهيجي عن سبب قدومهما، وشعر أنهما سيتحدثان في أمر مهم. وعندما ساد صمت طويل، وجد قوتيدار نفسه مضطرًا إلى سؤال حسن علي مجاملًا: "هل السيد بخير؟"
في هذه اللحظة، أدرك ضياء شاهيجي أن الفرصة سانحة لمفاتحته في الأمر، والإعلان عن نيته بأكثر الطرق الدبلوماسية الممكنة. وأشار إلى حسن علي أن يمسك لسانه، وأجاب هو عوضًا عنه قائلًا: "سبب قدومنا المفاجئ هو أننا قلقون للغاية على صحة السيد أتابك."
لم يدرك قوتيدار مغزى ما يلمح إليه محدثه، فسأله مرة أخرى: "هل أتابك بصحة جيدة؟"
قال ضياء شاهيجي، وهو يزن كل كلمة: "حتى الآن ، يتمتع أتابك بصحة جيدة، لكن يبدو أن مصير صحته في المستقبل سيكون بين يديك".
ومرة أخرى، لم يدرك قوتيدار ما يعنيه ضياء شاهيجي، ونظر بذهول إلى ضيفيه وقال: "لا أفهم…"
قال ضياء شاهيجي مرة أخرى: "أعني أن أتابك يتمتع بصحة جيدة حتى الآن، لكن صحته مستقبلا بين يديك."
– "بين يدي؟"
– "وتحت إمرتك بالكامل."
قال قوتيدار متفاجئًا: "صحة شاب مثل أتابك تهم كل رجل ذي عقل، لكن ما تقوله مثير للاهتمام، أن صحة رجل ما تحددها إرادة رجل آخر"
قال ضياء شاهيجي مدافعًا عن رأيه: "لا تندهش يا صديقي، فصحة البِك في قادم الأيام تخضع لإرادتك حقًا. هذه ليست مزحة أو لعب بالألفاظ؛ إنها الحقيقة".
وهنا- فجأة- أدرك قوتيدار عمن وعن ماذا يدور الحديث، وشعر بارتباك شديد وحرج بالغ. مسح ضياء شاهيجي بيده على مفرش السفرة الممتدة أمامه، وأخذ رغيفًا من الخبز الذي أعدته تويبكة وقطعه قطعًا صغيرة، ومد يده إلى حسن علي وقوتيدار، وشرع يتحدث بشكل أكثر صراحة قائلًا: "إن الحب هبة إلهية لا تقدر بثمن، ولا يفوز بها وينعم سوى القليل من البشر. إن ابن صديقكم المقرب السيد أتابك بن حاجي يوسف يعاني منذ فترة طويلة من آلام وأسقام خفية وغامضة. وخادمه، وفي الوقت نفسه أبوه الروحي، حسن علي، بحث كثيرًا عن السبب الحقيقي والدواء الشافي لآلام سيده. أما البِك، فهو يخفي مرضه، ولا يكشف سره لأحد. كان حسن علي دائمًا مخلصًا لسيده، فقد راقبه عن كثب ذات ليلة، حتى اكتشف بخبرته الكبيرة وحكمته حقيقة عذابات البِك وسببها.
يقولون يا صديقي إن "الشرع لا يحرم الحب، وليس هناك من أمر يدعو للخجل. ورغم أن الأمر لن يكون سهلًا لنا ولكم، فهناك أمور علي توضيحها: في يوم من الأيام، هبت رياح القدر ورفعت الحجاب عن وجه فتاة تجلس تحت ستار البراءة، وفي الوقت نفسه، تسمح الأقدار للسيد أتابك أن يرى هذا الوجه البريء. وفي تلك اللحظة، ولد حب حقيقي وطاهر في قلب البِك تجاهها".
أضاف ضياء شاهيجي بضع عبارات فضفاضة، ثم صمت. وهنا شعر قوتيدار بخجل شديد، وكان هذا هو شعور الضيوف نفسه. كان ثلاثتهم يعون جيدًا حساسية الموقف ودقته؛ وساد صمت طويل بدا وكأنهم ثلاثتهم قد اتفقوا عليه. وعلى الرغم من أن الغرض من زيارتهم كان واضحًا مثل النهار، فقد تظاهر قوتيدار لسبب ما بعدم الفهم وسأل: "ومن تكون هذه الفتاة؟ ابنة من هي؟
أجاب ضياء شاهيجي، وكأنه كان يتوقع أن قوتيدار سيطرح هذا السؤال:
– "ابنتك الحبيبة."
أحنى قوتيدار رأسه، ناظرًا بخجل نحو قدميه- ربما يشعر بالحرج من سؤاله. ومن جديد ساد صمت قاتل وغير مريح بين الحضور حتى اضطر ضياء شاهيجي إلى كسر هذه الحالة قائلا: "زيارتنا هدفها أن نهبك ابنًا ورجلًا مثاليًا، وإن شاء الله، عند عودتنا سنقدم لأتابك أيضًا هدية؛ فتاة جميلة رقيقة مثال للبراءة، وأفضل زوجة له على وجه الأرض."
أخذ قلب حسن علي يخفق بشدة في انتظار رد حاسم من قوتيدار. فهل سيستجيب أو لا؟ أما بالنسبة لقويتدار، فكان بدوره مذهولًا، غير متأكد من كيفية الرد على هذين الرجلين اللذين ينتظران بفارغ الصبر إجابة منه.
قال قوتيدار أخيرًا: "سأكون من أسعد الآباء إذا حظينا بالسيد أتابك صهرًا لنا، وابنًا لي. لكن القرار كاملًا ليس بيدي؛ فزوجتي، التي رعت ابنتي وأرضعتها صغيرة وربتها حتى كبرت، يجب أيضًا مراعاة مشاعرها. وعدم الأخذ برأيها والانفراد بالرأي وحدي بمثابة أكبر إهانة. فإذا كنت لا تمانع الانتظار حتى أتحدث معها أولًا، ثم أجيبك عن سؤالك".
أظهر قوتيدار إخلاصًا وتفانيًا لزوجته لا يمكن إنكارهما، وشعر الخطاب بدمائهما تتسارع في عروقهما، وأخذا يعولان أكثر على النجاح في مسعيهما.
رد ضياء شاهيجي بصوت واثق: "الأمر لا يتعلق بتجارة خيل، بل إننا نتحدث عن مصير إنسان يا صديقي. بالطبع تشاور مع زوجتك الوقور. أخبرها بما تعرفه عن السيد أتابك ووالده، وفكرا جيدًا في القرار، ثم أخبرنا به".
بعد هذه الكلمات، غادر قوتيدار المضيفة وبها ضيفاه، وتوجه إلى حيث زوجته. كانت كوموش نائمة، وتويبكة تغط في نومها حتى إن صوت شخيرها كان يعلو على كل شيء في غرفتها الصغيرة القريبة من المطبخ. فتح قوتيدار الباب، ثم قال لأفتاب آيم ، التي كانت تجلس بانتظار قدومه:
"خذي شمعة واتبعيني".
كانت الغرفة التي ولجا إليها مزينة ببذخ، وكأنها متحف صغير. كانت هناك مجموعة من الأقمشة الحريرية الملونة، والبطانيات المزركشة مخزنة على الأرفف الغائرة في الحائط إلى جانب أكوام من الوسائد المصنوعة من الريش. كانت هناك صفوف من أدوات المائدة الصينية الفاخرة، وأكواب مزخرفة من البورسلين الرقيق، بالإضافة إلى أقداح الشاي، والأطباق، والأباريق؛ وكانت الجدران مغطاة بالسيوف والدروع والخوذات والخناجر والسيوف بأغماد من الفضة المزركشة. كانت هناك مجموعة متنوعة من الملابس الرجالية والنسائية، مغطاة أو مطوية. وكانت هناك معاطف وقفطان محلي، وغيرها. وكانت العيون تزيغ من فرط جمال السجاد الأحمر الجميل الذي يعد من روائع فنون النسيج.
ابتسم قوتيدار لأفتاب آيم التي كانت تنتظر أن يتحدث بفارغ الصبر، ثم قال: زوجتي، أنت بالطبع لا تعلمين أن ضيوفنا بالخارج هم خطاب لابنتنا".
لم تبدِ أفتاب آيم دهشة عند سماعها كلمة "خطاب" التي قالها زوجها؛ فعلى مدار العامين أو الثلاثة أعوام الماضية، كان منزلهم مزدحمًا يوميًا بالخطاب الذين يرغبون في الزواج بابنتهما كوموش وها هم أولاء خطاب جدد.
"فليجعل الله الخير في قدومهم. من هؤلاء؟"
ابتسم قوتيدار مرة أخرى، ثم قال:
"إنهما ضياء شاهيجي ومعه رجل آخر لا تعرفينه."
فهمت أفتاب آيم من صوت زوجها والخجل الظاهر في عينيه أنه متأثر للغاية بقدوم الضيوف الخطاب.
"ومن أرسل هؤلاء الخطاب؟"
"هل تتذكرين التاجر الشاب الذي قدم من طشقند وحل ضيفًا علينا منذ حوالي خمسة عشر يومًا؟"
"وكيف لي أن أنسى، بالطبع أذكره وقد أفاضت تويبكة في مديحه".
صاح قوتيدار قائلًا: "يا لك من ذكية يا زوجتي! هو من بعث بهؤلاء الخطاب."
انزعجت الزوجة بشده بمجرد سماعها هذه الكلمات وقالت معارضة زوجها: "لكنه أجنبي"، وهنا ارتسم على وجه قوتيدار ملامح التفكير والحيرة، وأخذ يحك جبهته، وقال بصوت رجل يائس: "هذا هو الشيء نفسه الذي يثير قلقي، ولكنه عمومًا الرجل المناسب لابنتنا، ويمتلك الخصال الحميدة كلها التي نأملها في صهرنا؛ فهو شاب جيد من النواحي كافة".
ولكونها زوجه مخلصة، فقد احترمت رغبة زوجها، وأعربت في النهاية عن احترامها لإرادته وحبها له. لذلك، وبصفتها زوجة مطيعة- وعلى الرغم من أنها في الواقع لم تتفق مع زوجها بشأن الخطبة- فقد اختارت ألا تكتفي بمهاجمة أتابك، لكونه فقط مسافرًا أجنبيًا، بل سعت إلى ابتكار أوجه قصور أكثر غموضًا في أتابك؛ حتى تطفئ نار إعجاب زوجها بشخصه وتعاطفه معه.
"ابن من هذا الشاب؟ هل تعرف والده؟"
لم يؤتِ هذا السؤال ثماره، بل على العكس أضر بخططها في تقويض عدوها؛ حيث أشاد قوتيدار بشخصية حاجي يوسف بك، ومكانته الاجتماعية الحالية، وأفاض في ذلك، كما أشاد باحترام حاجي يوسف بك لقوتيدار نفسه، كل ذلك بتفصيل كبير. وأضاف في النهاية: "من المستحيل انتقاد الأصل الطيب والعريق لهذا الشاب. وحتى أكون صادقًا، فإن الجيل الذي ينتمي إليه هذا الشاب هو أكثر تقدمًا من جيلنا".
قررت أفتاب آيم أن تناور بسؤال في مسار مختلف: "هل هو متزوج أو لا؟"
"إنه ليس متزوجًا؛ لقد علمت هذا من خادمه في إحدى جلساتنا".
"كم عمره؟"
"لا يزيد على خمسة وعشرين، ربما اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين".
"لماذا قرر فجأة مصاهرتنا؟ ألا يمكنه العثور على فتاة من طشقند؟"
قال وهو يخفض صوته بخجل لتهدئة شكوكها: "حتى إذا كان هناك الكثير من الفتيات، فإنهم يقولون إنه لم يجد من تناسبه بينهن".
لم تجد أفتاب آيم أي سبيل لمواجهة رغبة زوجها في قبول العرض. وبالمقاييس كلها، كانت الشروط كافة متحققة في الشاب، وهو مثالي، ويحقق تطلعاتهم لابنتهم بشكل كامل، ولكن في أعماق قلبها، كانت تراه رجلًا أجنبيًا غريبًا قبل كل شيء. كان من الصعب عليها قبول فكرة أنهم وبعد سنوات عديدة من البحث عن صهر مناسب، قد يسلمون ابنتهم فجأة إلى شخص غريب من طشقند، مما جعلها تشعر باليأس والإهانة والحزن.
–"إذًا، ماذا تقولين يا زوجتي؟"
خافت الزوجة من الاعتراض علانية لأن زوجها قد ينزعج من ذلك، لكن في قلبها، كانت ترفض بشدة وإصرار زواج ابنتها من أجنبي. أجابته بعد فترة من التفكير: "لا أستطيع أن أعارض شخصًا وجدته أنت مناسبًا، وأقف أمام رغبتك. أنت أبوها، قبل كل شيء، ولديك الحق أكثر مني في اختيار صهرنا. بالطبع، لا أصدق ولا أعتقد أنك ستعطي ابنتك الوحيدة، قرة عينك، لرجل فاسد أو غير مناسب. ليس لي أي مبرر في معارضتك، لكن مشكلتي الرئيسة هي أن الخاطب من طشقند؛ سيأخذ ابنتك معه إلى مدينته الأصلية ويفصل بيننا وبين طفلنا الوحيد، لا أعرف ما وقع ذلك عليك، لكن لا يمكنني تحمل ذلك البعد. أعتقد أنك لم تفكر مليًا في هذا الجانب من المشكلة يا عزيزي".
قال قوتيدار وهو يفكر بإمعان فيما تقول: "أنت محقة يا زوجتي. لكن يبدو أنه القدر، أو ربما شيء آخر. لسبب ما، أنا معجب بهذا الشاب. لا أعرف كيف ستفهمين ما أقول، لكن دعينا لا نؤجل قرارنا، ولنرد على الضيوف على النحو الآتي: موافقتنا على الزواج مشروطة بعدم مغادرة كوموش مرغلان، يجب أن تبقى معنا. إذا قبلوا بهذا الشرط، فلن يكون لدينا ابنة واحدة، بل ابنة وابن. وإن لم يوافقوا، فسيكون عليهم أن يلوموا أنفسهم فقط. ما رأيك في هذا يا زوجتي؟ "
"وماذا عن كونه أجنبيًا غريبًا؟"
"لن نقبل في صهرنا لومًا أو عتابًا؛ فنحن نبحث عن رجل شريف يستحقها. وإذا ما سارت شائعات عن زواج ابنتنا من أجنبي فليكن، لا أكترث بذلك".
منذ بداية الحوار مع زوجها، فهمت أفتاب آيم أن لديه رغبة أكيدة في إتمام الزواج. لذا فقد أجابت على مضض، "الأمر متروك لك." تلقى قوتيدار الإجابة التي كان يأملها، وخرج إلى الخطاب وأعلن شروطه. قبل ضياء شاهيجي الشروط نيابة عن أتابك وهنأ قوتيدار على مصاهرته لرجل رائع نبيل.
وهكذا انتهت "الزيارة غير المتوقعة لإتمام الخطبة" دون احتفال أو صخب لا ضرورة له، لكن باتفاق خطوبة ملزم. وبعد الدعاء من أجل أن يحب العروسان الصغيران بعضهما بعضًا، وينجبا العديد من الأطفال، مُنح الخُطاب عباءات مذهبة. وقدم حسن علي الشكر من ناحيته إلى قوتيدار مرارًا وتكرارًا، وأغدق عليه الدعوات المباركات.
"ترتديها بالعافية."
"وأنت أيضًا، مبارك عليك صهرك أو ولدك الجديد."
قال قوتيدار بصدق، ومن القلب: "على الرحب والسعة. عسى أن تتحقق كل أمانيكم."
9. اللقاء
كان لتلك الأحداث المفاجئة في تلك الليلة أثرها على حسن علي، الذي ظل صامتًا ساكنًا حائرًا، عيناه تكادان تصرخان من فرط التعب رغبة في النوم. كان الرجل العجوز أسيرًا لأفكاره، ولم يكن يعرف كيف سينقل إلى سيده في الغد ذلك الخبر السعيد. أخذ يفكر ويقلب الأفكار كلها في عقله، وتوقع كيف سيتقبل سيده أتابك الخبر، وما تأثير ذلك على معنوياته.
بدا له أن نظرة أتابك للحياة والعالم ستتغير للأفضل، وأنه وقد نال السعادة التي يتمناها سينهي عزلته ويستعيد نشاطه، وسيعود ليسير في الشوارع وعبر البازارات، وأنه قريبًا سيحل على منزل قوتيدار فرحًا ومفعمًا بالحماسة.
وكلما غلبه النعاس، مرت أمام عينيه المتعبتين لوحات وخيالات؛ رأى فيها وكأن سيده أتابك يدنو منه ويشكره قائلًا: "أبي، لن أنسى أبدًا الخدمات الجليلة التي فعلتها من أجلي"
استيقظ حسن من غفوته ثانية وهو ما زال تحت تأثير تأملاته الرائعة: "أيها البائس المسكين، لا بد وأن رأسك يؤلمك كثيرًا الآن وأنت تفكر في محبوبتك، ربما أنت الآن تستلقي هناك في غرفتك وقد فقدت الأمل فيمن يساعدك في تحقيق آمالك. لقد قُطعت آمالك لأنك تعتقد أنه ليس لديك من يقاسمك آلامك. لا تقلق يا سيدي الصغير؛ لم يتخل عنك والدك وعبدك حسن علي في هذا الأمر. الليلة ستكون نهاية أمسياتك الحزينة وبداية ليالٍ أخرى مليئة بالنور والشعر، يا سيدي العزيز".
مرة أخرى، كان حسن علي يغفو في حين تسبح تلك الصور أمام عينيه؛ صور أتابك بصحبة فتاة ساحرة جميلة- كلاهما يبتسمان لحسن على كما لو كانا يقولان له: "أنت أبونا الحقيقي". تمتم حسن علي في نفسه، وقد فارقه النوم مرة أخرى: "أنا أبلغ من العمر أربعة وستين عامًا، ولا أستطيع إنجاب أطفال، سأترك هذا العالم دون ذرية. لماذا لا يكون أتابك ابني وزوجته ابنتي وأطفالهما يركضون ورائي ويدعونني جدي؟ عندما أرقد تحت الأرض، لن يذكرني أحد، سيكون كافيًا إذا تذكروني بكلمات لطيفة وأن يقولوا: "يومًا ما كان لدينا جد اسمه حسن علي".
امتدت ساعات الليل طويلًا، وظل حسن علي ينتظر إشراقة الصباح، ومع ذلك لم يستطع منع نفسه من تخيل سعادة أتابك. تلك الأفكار منعته من النوم جيدًا. وها هو الصباح قد أشرق وحان الوقت لأن يسرع إلى سيده، وينقل إليه الخبر السعيد.
بعد تناول شاي الصباح، غادر حسن علي متوجهًا إلى سيده، وجلس أمامه ممسكًا بعلبة تحت ذراعه. أراد حسن علي أن يخفف عنه سريعًا، ويقضي على أحزانه، ويزرع بدلًا منها بذور الأمل في روحه من جديد، ويسقيها بالمودة والحب.
قال له: "أهنئك، مبارك".
نظر أتابك إلى حسن علي مرتبكًا غير قادر على فهم ما يقصد. أخرج حسن علي، مبتسمًا، رداءً مذهبًا من تحت ذراعه، ووضعه على الطاولة.
سأله سيده: "ما هذا الرداء؟"
– "لقد قلت لك "مبارك."
– "مبارك على ماذا؟"
– مبارك فوزك بخطيبتك الطاهرة الحبيبة، فضلًا عن مصاهرتك رجلًا نبيلًا مثل قوتيدار، الآن لدى حسن علي زوجة ابن".
ظهرت علامات الصدمة على وجه أتابك فاتسعت عيناه، بدا كأن مقلتيه ستنفجران من الذهول والسعادة. سأل وهو جالس بشكل غير مستقيم وقد غلبه الاضطراب "ماذا تقصد بهذه الكلمات؟"
رد حسن علي ضاحكا: "لا تشك في كلمة قلتها لك، وفي الخبر السعيد الذي أنقله إليك، فقط صدق ما أقول؛ لقد قررت أنا وضياء شاهيجي أن نزوجك من ابنة قوتيدار ونجحنا في ذلك الليلة الماضية. أعني ببساطة أنني خطبت لك ابنة قوتيدار".
وسرعان ما سأل أتابك، بعد أن فقد السيطرة على أعصابه: "أي بناته خطبتها لي؟"
قال حسن علي: "ابنة قوتيدار الوحيدة، لا تقلق بهذا الشأن يا سيدي؛ فقد وعد ضياء شاهيجي بالحضور بعد شاي الصباح، وسيكون علينا أن نناقش معه تفاصيل الاستعداد للعرس".
كان من الصعب معرفة هل كان أتابك سعيدًا أو يائسًا؛ لم يُظهر أي علامة على رفض ما يقوله محدثه، لكنه في الوقت نفسه لم يشعر بسعادة عند سماع الخبر.
عندما استيقظت كوموش في الصباح، لاحظت أن هناك حالة طوارئ بالمنزل على غير العادة؛ بدا أن الجميع حلموا بحفل الزفاف في تلك الليلة. كانوا يتحدثون جميعًا عن شراء وسائد ريش جديدة، وكانوا يناقشون بإسهاب ملابس العروس. كانت أمها تطلب بإصرار من أبيها أن يشتري حزامًا ذهبيًا جديدًا للخطيب. "يا إلهي! من العريس الذي تتحدث عنه أمي؟ لمن يريدون تزويجه؟ لمن غيري؟ فهل هناك أخوات لي؟ لديهما ابنة واحدة فقط؛ لذلك فالحديث يدور عني أنا فقط، كوموش. الأمر هكذا إذا شئنا المنطق".
الجميع يسأل: من سيتزوج؟
"كوموش".
– "وهل كومش قبلت بالخطيب؟ قبل كل شيء يجب أن نأخذ رأيها. أليس كذلك؟"
– "لا ضرورة لسؤالها، ولا حتى إخبارها بالأمر برمته"
– "لماذا؟"
– "إنها التقاليد؛ تقاليدنا، لا رأي لها، ويجب أن توافق على الزوج الذي اختاره والداها لها.
كانت العبارة الأخيرة التي نطقت بها تويبكة كافية لكوموش؛ لتأكيد المصير الذي ينتظرها، وتفهُّم أنها المقصودة. قالت الخادمة تويبكة ضاحكة: "استمعي إليّ جيدًا يا سيدتي، أنت لا تعطيني حق قدري، وأنا لدي قوة خارقة على رؤية المستقبل؛ فإذا ما قلت أو فكرت في شيء ما، فستقوم الملائكة على الفور بقول "آمين". ذات يوم أخبرتك عن ضيف شاب، وغضبت مني حينها. من اليوم فصاعدًا، أنتِ أصبحت مخطوبة لهذا الرجل. والآن وبعد ما حدث يجب أن تأمنيني على أسرارك كلها يا سيدتي."
عند سماع الخبر، امتلأت عيون كوموش السوداء، واغرورقت عيناها بالدموع.
قالت تويبكة: "لا تبكي يا سيدتي؛ فنحن نعرف سبب هذه الدموع. في مثل هذه المواقف يضحك الرجال من السعادة، في حين تبكي الفتيات مثلك. أنت تبكين من الفرح، أنا أيضًا بكيت عندما أصبحت مخطوبة، لكن في قلبي كنت أنتظر بفارغ الصبر يوم الزفاف"
ردت كوموش: "دعيني يا خالتي فقد نفد صبري. لا تنطقي بكلمة أخرى."
قال تويبكة: "سأصمت ولكني سأقول شيئًا واحدًا مهمًا فحسب: أوه، لو أنك رأيت هذا العريس فقط، فستعرفين حقًا، سيدتي، كم هو وسيم وذكي. نجماكما متوافقان بشكل مدهش وأنتما مثاليان لبعضكما".
لم تستطع كوموش تحمل المزيد وصرخت بألم: "آه، لا تقولي كلمة أخرى. سأموت."
عند سماع صيحات كوموش الغاضبة، خرجت أمها وجدتها عائشة من الغرفة المجاورة تتساءلان: "ماذا حدث؟ ماذا جرى؟"
غطت كوموش رأسها تحت مفرش المنضدة واستلقت. أصيبت تويبكة بالرعب وقالت لهن: "كنت أصف لها زوجها المستقبلي فقط، لكنها فجأة غضبت مني".
وبّخت أفتاب آيم تويبكة بقولها: "أنت حمقاء. لقد أحرجتها، ودائمًا تتدخلين في أمور ليس لك فيها شأن. اذهبي من هنا الآن وقومي بما عليك من عمل."
فسرت الأم والجدة دموع كوموش بأنها خجل معتاد يصيب الفتيات في مثل هذا الموقف، وانصرفتا إلى غرفتيهما، وأخذتا تبحثان مرة أخرى في محتويات صناديق العروس، واستمرا في الاستعدادات لحفل الزفاف.
ظلت كوموش هكذا لعدة لحظات، ورأسها تحت المفرش، وعيناها مفتوحتان على مصراعيهما. ثم، أخيرًا، نهضت وذهبت إلى جناح الرجال من المنزل. كانت عيناها محمرة وجفونها منتفخة بعد طول بكاء. كان وجهها متورمًا، لكن كل هذا لم يقلل من سحرها وجمالها، بل على العكس من ذلك، جعلها أكثر جمالًا وسحرًا. جلست الفتاة على حافة الشرفة، مستندة بوجهها على يدها اليمنى، وغرقت في أفكارها الخاصة – قضت دقائق طويلة تتذكر وتفكر وتحلم. وأخيرًا أبعدت وجهها عن يدها، وأخذت نفسًا عميقًا، وكأنها تنتظر شخصًا ما، نظرت حولها.
"على شاطئ الجدول حيث الماء المتدفق، السر يكمن هناك"
سقطت دموعها منهمرة وهي تهرع باتجاه حافة الجرف. وعندما وصلت إلى الجسر، قفزت إلى بقعة جافة يعرفها الجميع. أخذت حفنة من الماء في يديها، وغسلت وجهها ونظرت نحو الطريق ثم عادت تتأمل جريان الماء. لا أحد يدرك ألم كوموش، لا أحد يستطيع أن يعرف ما حلمت به، فقط هذا التيار من الماء المتدفق هو من يعرف أسرارها.
كانت روح الماء تتحدث معها، وتستمع إلى ما يقوله قلبها، لكن لا أحد غير كوموش كان يعرف شيئًا عن هذا الحديث، وهذه الأسرار الخاصة.
غسلت كوموش وجهها مرارًا وتكرارًا بالماء المتلألئ ما هدأ من عواطفها، وصفت عيناها، وعاد إليها بريقها، وأحست ببعض السكينة فعادت غير مسرعة إلى داخل المنزل.
10. العرس، جناح الفتيات
كان الضيوف الذكور يحتفلون في نصف الفناء الخارجي لمنزل قوتيدار، في حين كانت النساء يحتفلن في الداخل. احتُفي بالضيوف، وقُدمت وجبة سخية متنوعة؛ تضم حلاوة طحينية غنية ونيشالدة طازجة(20). كانت الموسيقى متواصلة يتردد صداها من الفناء الخارجي؛ آلات مختلفة مثل العود، والطمبور، والربابة، وأصوات أشهر المطربين في المدينة؛ كانوا يداعبون مسامعنا ويروون آذاننا من رحيق أغانيهم المتدفق باستمرار، امتلأ حفل الزفاف بأجواء الفرح والبهجة حتى بلغت الذروة.
وفي جناح الحريم كانت الأجواء لا تقل فرحة وصخبًا، وكما تقول الأمهات عادة: "الحضور كثيف حتى أكثر من عدد رمال الصحراء". لكن هنا وعلى عكس جناح الرجال تعم الفوضى، وتزدحم الغرف بالنساء وكذا الفناء. منهن من يجلسن في الخارج يتذوقن الأرز البخاري والحلاوة الطحينية، وغيرها من الأطباق الشهية. وهناك الأخريات منشغلات بتهدئة الأطفال التي تبكي حتى يناموا، وهناك من يغني وينشد أغنيات الزفاف ويصرخن "يور-يور" بأعلى صوت ممكن، في حين تضحك بعضهن في صخب يخرق سكون الكون المحيط. بدا وكأن هذا الضجيج يكاد يبلغ السماء السابعة.
وسط كل هذا الضجيج كانت أفتاب آيم تجلس حزينة غارقة في التفكير؛ كانت متعبة للغاية من استقبال الضيوف، أو ربما لسبب آخر. كانت تتصرف بغرابة شديدة؛ تنسى ما كانت تعتزم فعله منذ دقيقة واحدة؛ كدخول غرفة الخزين بدلًا من غرفة الضيوف. كانت تجيب باقتضاب على عبارات التهاني من الضيوف، خاصة عندما يقلن لها: "نتمنى أن يصبح الصهر ابنًا جديدًا لك" وكانت ترد ببساطة بكلمة واحدة "آمين".
وفي أثناء وجودها في مدخل مخزن الحبوب، نادت إحدى النساء الضيوف، فانزوت على الفور المرأة الخمسينية من بين ضيوف العرس وتوجهت إلى سيدة الدار. كانت امرأة ذات وجه مشرق وباسم، قادتها أفتاب إلى مخزن الحبوب، وما إن دخلتا، حتى أغلقت الباب بسرعة، وارتسم على وجهها ملامح حزن عميق.
سألتها المرأة وهي تنظر إلى عينيها الحزينتين: "لماذا تبدين بائسة حزينة هكذا يا أفتاب آيم؟".
أخذت نفسًا عميقًا، ثم نظرت من خلال الباب وقالت بصوت خافت: "روحي حزينة يا أختاه؛ وكان أحدهم أشعل نارًا فيها وأحرقها."، ثم اغرورقت عيناها بالدموع.
– "لماذا؟"
– "بسبب ابنتي"
– "ماذا حدث لابنتك؟"
– "اليوم هو اليوم السابع من الخطوبة، وهي تبكي ليل نهار وتذرف أنهارًا من الدموع. وعندما أسألها عن السبب تبكي أكثر. اليوم سالت دموعها أنهارًا. توسلت إليها كثيرًا اليوم وبالكاد تمكنا من إقناعها بالذهاب إلى الحمام".
كانت المرأة في ذهول مما تسمع. فكرت قليلًا ثم سألت: "ربما يكون العريس قبيحًا؟"، ردت أفتاب: "لم أره بنفسي، لكن وفقًا لأولئك الذين قابلوه، فهو وسيم جدًا. سمعت أيضًا أنه شاب ذكي. ووالد كوموش يحترمه كثيرًا، هو نفسه اختاره زوجًا لها".
"هل تعرف كوموش عنه شيئًا؟"
ردت أفتاب آيم: "نعم، لقد كلمناها عنه، وامتدحناه عمدًا أمامها، لكنها لا ترغب حتى في الاستماع إلينا ولا تتوقف عن البكاء."
ازدادت دهشة المرأة أمام عجزها عن معرفة سبب رفض الفتاة، وأدركت حساسية الموقف، فانبرت تهدئ من روع أفتاب وتحكي لها عن مواقف مشابهة. وأخبرتها قصصًا من أعراس سابقة كانت العرائس يبكين قبل زفافهن، ثم بعد الزفاف يتحولن إلى شريكات حميمات لأزواجهن.
قالت: "لا تقلقي يا أفتاب، إذا كان العريس وسيمًا هكذا كما تقولين، فسترين قريبًا ابنتك وهي تتشبث به وتصبح له مثل ظله العطر."
ردت أفتاب بلهجة يائسة "آه، يا أختاه، لا أكاد أصدق."
قالت المرأة في تصميم: "صدقيني. ثقي في كلامي أفتاب، كم من الفتيات الباكيات اللاتي رأيتهن، بعد مغادرتهن حفل الزفاف، يصبحن مفتونات ومغرمات حتى أكثر من الرجال؛ ابنتك ينطبق عليها هذه الحال، لا تحزني يا أختاه."
"أملنا في الله كبير."
قالت المرأة ضاحكة: "سيكون الأمر كذلك، لكن مهلًا، بماذا ستكافئينني إذا تغيرت ابنتك كما قلت؟"
"طقم ملابس كامل من رأسك حتى قدميك."
"تذكري وعدك، فأنا أسجل ما تقولين. سترين كيف ستتشبث بزوجها وتصبح ظلًا عطرًا له. هيا اذهبي واستقبلي ضيوفك ببهجة وسعادة ".
غادرت المرأتان المخزن والتحمتا بجمهور ضيوف حفل الزفاف الصاخب
* * *
يا له من جناح فتيات بديع، تجمع معطر مثل فراشات من الزهور، مثل زهور توليب رشيقة، أو ببغاوات نابضة بالحياة، أو مثل هذه الزهرة الجميلة، تجمعت وتشكلت حديقة عطرة من الزهور البديعة في منزل عم كوموش.
تجمعت أكثر من ثلاثين أو أربعين فتاة معًا في المنزل. وكان الغرض من تجمعهن: أن يرافقن ويصطحبن واحدة من أجمل وأرق صديقاتهن إلى بيتها الجديد وحياتها الجديدة، وأن تتم هذه المراسم في أبهى صورة وأجواء مرحة وسعيدة.
ارتدت الفتيات أكثر فساتينهن أناقة، مزينة بالأحجار الكريمة. ولو تمكنا من اختراق الجدران الأربعة لهذه الجنة وأن نلقي ولو نظرة واحدة على هذا الجمع من الملائكة الفاتنة، فإنه من الممكن أن يفقد المرء صوابه بلا شك من فرط السعادة والنشوة وهذه الأزهار، ولزاغت العيون وعجزت عن استيعاب هذا القدر من الجمال.
"هذه الزهرة هي الأجمل، لا بل تلك، لا بل تلك هي الأجمل". وهكذا وفي أثناء محاولتك الاستقرار واتخاذ قرار حول أجمل فتاة بين الحضور ستفقد عقلك وتعجز عن اتخاذ القرار. حتى إنك من فرط هذا التردد تصبح مادة للسخرية من قبل الحضور.
في الواقع، كان الجناح يضم فتيات كلهن جميلات للغاية، ولا مثيل لهن في الفتنة والبهاء، وكل منهن كالملاك؛ أجمل من الأخرى. رائعات منهن من تغني أو ترقص أو تنشد أو تقول الشعر أو تعزف. وحدها كوموش بقيت غائبة عن الحضور، ولم تعد من الحمام وبسبب ذلك لم يكن الاحتفال قد بدأ بعد. حتى لو حدث ذلك، لكان قد افتقر إلى الحماس المناسب؛ لأن ضيفة الشرف غائبة. كن جميعًا واثقات من أن وجود كوموش من شأنه أن ينعش الاحتفال – فقد نفد صبرهن في انتظار حضورها وبدء الاحتفال الحقيقي.
أخيرًا، صاحت إحدى النساء: "إنهن قادمات". احتشدت الفتيات جميعهن عند نافذة الغرفة الصغيرة، ينظرن إلى الفناء. دخلت كوموش مع اثنتين فقط من سلائفها. ليت بإمكان أتابك أن يشهد هذه اللحظة؛ لو كان هنا ورأى حبيبته تعود من الحمام، لكان مشهد عروسه بصحبة فتيات العرس وقع في نفسه كوقع السهم في قلبه الجريح، وكان قلبه ليشتعل بنار الرغبة والحب تجاه محبوبته.
كان يغطي رأس العروس وشاح من الحرير الأبيض، وكانت ترتدي فستانًا من الحرير الأبيض أيضًا تحت معطف فرو مطرز بخيوط فضية؛ ملفوف حول رقبتها طوق من فرو القندس يكاد يقبل ذقنها. وضفائرها السوداء تسترسل مثل قنوات حريرية؛ وخدودها محمرة ومتوهجة للغاية.
رافقت الفتاتان كوموش إلى الفناء ثم قالتا:
"يا فتيات، ها هي عروسنا كوموش، هيا خففوا عنها قليلًا وسروا عنها."
ركضت فتاتان أو ثلاث في الفناء، وأخذن البرقع من على وجهها وقادوها إلى المنزل. لم يكن هناك أحد في الفناء من الرجال أو النسوة، وامتلأ الفناء بالفتيات الصغار الجميلات وحدهن.
دخلت كوموش رفقة الفتيات إلى الغرفة، وسرعان ما امتلأت الغرفة بالعطر الذي وضعنه لها، واستقبلتها الفتيات بالأمنيات الطيبة وبسؤالها: "كيف حالك؟ مبارك ملابس العرس الجديدة".