
Полная версия
الأيام الخوالي: قصة حب مريرة وقعت أحداثها في تركستان
بعد سماعه هذه الكلمات رفع أتابك رأسه، ونظر في عيني حسن علي، وتنهد بقوة وأطرق رأسه مرة أخرى وكأنه يريد أن يعترض بشدة على نصيحة حسن علي: "من المستحيل أن أنسى".
ساد صمت طويل؛ فقد غرق كل منهما في أفكاره. اعتاد حسن علي وضع طرف لحيته في فمه عندما يمعن في التفكير. وها هو يفعل ذلك الآن أيضًا ويداعب بفمه أطراف لحيته.
وبعد تفكير طويل قرر تأجيل البحث عن حل لهذه المشكلة؛ حيث كان سيده يجلس مرتبكًا من فرط الخجل الشديد.
5. ليت لنا صهرًا مثله
ها هو ذا سوق الأحذية، والمنزل الواقع عند الزاوية. أصبح القارئ على دراية كاملة بشخص صاحبه. تبدو البوابة الرئيسة متهالكة بعد سنوات طويلة من العمل؛ بها شروخ في بعض المواضع، ملطخة ببصمات الأيدي، تصدر صريرًا عاليًا وتتأوه عند كل مرة تفتح فيها أو تغلق. باختصار، إذا حاولنا تصنيف هذه البوابة المعمرة، فقد نضعها في فئة "قديم قدم التاريخ".
وبمجرد أن تخطو ثلاث أو أربع خطوات عبر البوابة، ستشعر على الفور بمهابة سجون مدينة بخارى الحصينة، وستجد نفسك تهرول مسرعًا حتى تصل إلى الضوء المتسرب في نهاية الممر المظلم، وعندما تتعثر وتسقط من أعلى، ستشعر وكأنك تتحرر وتنجو من ممر السجن المظلم هذا؛ فتجد نفسك أمام مجرى مائي كبير يتدفق عبر فناء حجري ضخم، وتتنهد بارتياح، وبعد أن أصبحت حرًا، أول شيء يسترعي اهتمامك حينها ذاك المنزل الجميل ذو الشرفة الأرضية المبنية على الجانب الشرقي من السياج، بواجهة مواجهة للغرب. وعلى الرغم من أنه لا يستحق أن تتباهى به اليوم، فإن المبنى كان بلا شك يعد في أوج ازدهاره مثالًا على الرقي والذوق المعماري البديع.
لا أثر لأي شخص في الفناء أو المباني المحيطة، وهو دليل على أن مساحات المعيشة الأولية هذه منفصلة عن المسكن الرئيس، وتستخدم غرفًا للضيوف. ترتص الغرف الصغيرة ذات الأقفال على أبوابها على طول الجدارين الغربي والشرقي. من السهل أن نستنتج أن الغرض منها هو تخزين البضائع، وهي دليل دامغ على أن المالك مكتفٍ وقادر ماديًا. أما الجزء الجنوبي من الفناء، فهو عبارة عن جدار خلفي للمحال التي تحجبها تمامًا أشجار الكرز الكثيفة.
والآن نحن نغادر الحوش الخارجي ونلتف حول المضيفة، حتى نصل إلى الحوش الداخلي أو كما يطلق عليه بشكاري. أما الممر الثاني الذي يقود إلى الداخل، فهو كسابقه معتم ومغلق من جوانبه جميعها. وإذا استدرنا يمينًا في نهاية الممر، فسنصل إلى الإسطبلات؛ وإذا اتخذنا اليسار، فسنصل إلى حوش كبير ضخم المساحة مثل الأول.
والجوانب الأربعة من الفناء محاطة بمبانٍ تخدم وظائف مختلفة. وجانبا المبنى الرئيس محاطان بأجنحة كبيرة تشكل مساحات معيشة منفصلة. والبلاط مزخرف بالألوان الأزرق والأخضر والأبيض جنبًا إلى جنب مع الألواح الخشبية المنحوتة التي تفوح منها رائحة زهرية تزين الشرفة الأمامية، وتدعمها أربعة أعمدة خشبية في الوسط، وعمودان على كل جانب.
وفي منتصف الشرفة ذات الأعمدة يجلس رجل على منصة مرتفعة في مواجهة الباب، يرتدي سترة مبطنة بالمخمل الأسود أمام شجرة صندل مغطاة بمفارش جدارية من الستان متعددة الألوان.
لن نقدم هذا الرجل للقراء مرة أخرى فهم يعرفونه جيدًا. إنه ميرزا كريم قوتيدار. على جانبي الصندل، استلقت امرأتان. إحداهما ترتدي فستانًا طويلًا من أطلس خان فوقه رداء حريري بلا أكمام. وفوقه يتدلى وشاح حريري أبيض فضفاض. تبلغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا تقريبًا، إنها جميلة ونحيفة. لها وجه يجسد اللطف والاحترام والتواضع في علاقتها بزوجها، إنها بلا ريب السيدة "أفتاب آيم" زوجة قوتيدار.
أما الثانية فهي سيدة عجوز تبلغ من العمر حوالي سبعين عامًا، وتدعى عائشة هانم، وهي والدة الأولى. وبالقرب من الموقد الحجري عند الزاوية تجلس امرأة مشغولة بغلي الماء لإعداد الشاي. إنها أكثر خشونة من البقية وتبلغ من العمر خمسة وأربعين عامًا تقريبًا. وتعمل خادمة للأسرة وتدعى "تويبكة".
ولنتوقف مؤقتًا عن التعريف بهؤلاء السيدات. دخلنا الغرفة من خلال باب صغير يعمل أيضًا نافذةً على يسار الشرفة الأرضية. في وسط هذه الغرفة نرى فتاة تجلس على بطانيات من الحرير، في حين كانت تتكاسل على وسائد من الريش، تبدو مشتتة. تتكاسل بشدة وهي تفتح عينيها؛ ربما بسبب البرد الشديد، أو ربما لأسباب لم تتكشف لنا.
أما ضفائر شعرها داكنة اللون، فتبدو في وضع فوضوي فوق الوسادة، وعيناها السوداء المتوهجة تحت رموشها الكثيفة المجعدة، تبدو وكأنها قد وقعت على شيء ما، لذا فهي تنظر محدقة في اتجاه معين؛ حاجباها الأسودان رقيقان مقوسان، يرتعدان، ووجهها مثل البدر، أبيض لؤلؤي، يحمر خجلًا بعض الشيء، كما لو كانت مرتبكة من وجود شخص ما. في هذه اللحظة، أبعدت بيديها الرقيقة طرف الغطاء، وتلمست قسمات وجهها الجميل، وتلك الشامة السوداء الخلابة التي منحها الله إياها على الجانب الأيسر من أنفها البديع، وجلست بعد أن رفعت رأسها من على الوسادة. ويبرز ثديها الصغير الفاتن متوهجًا من فستانها المصنوع من الحرير الأصفر. وبعد أن جلست، هزت رأسها مبتسمة في براءة وارتعد جسدها بالكامل ما دفع خصلات شعرها تتسرب على وجهها فتغطيه، فما إن تراها حتى تذوب حنانًا عليها وشفقة بها وتتألم من أجلها.. هي.. ذلك الملاك المتجسد في شكل فتاة صغيرة لم تكن سوى كوموش هانم (17) ابنة قوتيدار.
ولعدة أيام، كانت كوموش هانم تشكو من نزلة برد وصداع واضطراب في الرؤية؛ لذا لم تشأ والدتها أن توقظها اليوم من سباتها العميق حتى من أجل أن تصلي، ولسان حالها يقول "فلتأخذ حقها في النوم حتى تستريح".
لكن كوموش نهضت وارتدت ملابسها وغادرت غرفتها. غسلت وجهها بالماء الدافئ الذي أعدته تويبكة، وعادت إلى غرفتها، فجففت وجهها، وخرجت إلى الشرفة وجلست بالقرب من والدها بعد أن ألقت التحية على الحضور في الإيوان(18).
ألقى قوتيدار نظرة فاحصة على ابنته وسألها: "هل أصبحت أفضل يا ابنتي؟"
"لا، يا أبي العزيز، ما زلت أعاني من بعض الصداع." وضع قوتيدار يده على جبين ابنته ثم قال: "أوه، كوموش، ما زلت تعانين من الحمى. أنت بحاجة إلى الاعتناء بنفسك، ابنتي، دثري نفسك في لحاف سميك. حتى إذا تعرقت، فسوف تشعرين بتحسن يا عزيزتي". ثم طلب من تويبكة أن تصب الشاي بالحليب الدافئ إلى ابنته كوموش.
أيدت أفتاب ملاحظة زوجها قائلة: "ما زالت تعاني من الحمى. وجهها محمر ومنتفخ". قطعت عائشة بصوت ضعيف واهن حديثهما فجأة قائلة: "خاصة الليلة الماضية، لا يمكنك أن تتخيل كم كدت أموت خوفًا عليها. كانت تهذي بأشياء غريبة من فرط الحمى."
ألقت كوموش نظرة خاطفة على جدتها. قال قوتيدار: "كل هذا بسبب الحمى". "اليوم سوف أستشير طبيبًا. ابنتي الحلوة، من فضلك اشربي بعض الشاي"، ثم ألقى عليها مرة أخرى نظرة فاحصة.
بعد الانتهاء من تناول الشاي والإفطار تلا قوتيدار الفاتحة والورد، وقال لها وهو ينهض للخروج: كوموش، اعلمي أنني قد دعوت اليوم ضيفًا إلى منزلنا"، ثم التفت إلى أفتاب آيم وقال: "أرسلي الخادمًة لترتيب المضيفة، وأعطيها هذه المفارش المزركشة المخيطة حديثًا؛ فلتغطي بها طبلية تقديم الطعام والشراب، ولتزينها. أخرجي السجادة الكبيرة وافرشيها. بالمناسبة، هل توجد لدينا فاكهة كافية بالمنزل؟"
– "نعم"
– " حسنًا. بعد قليل، سأرسل لك اللحم، وحضرا لنا بعض الفطائر".
أدركت أفتاب آيم أنه طالما دار الحديث عن الفطائر المحشوة باللحم، فالضيف لا بد غير عادي.
"من عساه يكون الضيف؟"
"غالبًا لا تعرفينه. فهو شاب من طشقند. وسيكون هناك أيضًا ثلاثة أو أربعة من الرفاق من بلدتنا. هل فهمت ما هو مطلوب منك؟"
"فهمت، فهمت."
لم تولِ كوموش اهتمامًا إلى كلام والدها. وما إن غادر الأب قوتيدار المنزل إلى الدكان، حتى انهمكت أفتاب آيم في تحضير العجين، فيما أرسلت الخادمة تويبكة إلى المضيفة لتجهيزها.
بدت كوموش صامتة. هل كانت تفكر في شيء أو أنها كانت تعاني من اشتداد ألم رأسها. ولكنها جلست هكذا طويلًا مثل زهرة صماء جامدة يصعب اختراقها تتشبث بتلاتها الرقيقة ببعضها في الليل البارد، وهي تأبى الكشف عن أسرارها وعما يجيش في صدرها. حاولت جدتها أن تسري عنها بالقصص والحكايات المضحكة، لكنها بقيت جامدة بالكاد تحرك شفتاها بابتسامة فاترة لا أكثر.
ظلت كوموش على هذه الحالة لساعة تقريبًا قبل أن تنهض أخيرًا، وتضع قدميها الصغيرتين الرقيقتين في حذاء من الجلد اشتراه لها والدها مؤخرًا، وتشق طريقها إلى والدتها، التي كانت منهمكة في تحضير الطعام بالمطبخ.
تجاوزت الفتاه عامها السابع عشر إلى عامها الثامن عشر، وأصبحت تعادل أمها طولًا، بل تفوقها في حجم جسمها بعض الشيء. أخذت تراقب أمها خلال عملها في المطبخ قليلًا ثم عادت إلى الفناء. ومن الشرفة أخذت تراقب الخادمة تويبكة، التي كانت في تلك اللحظة تبسط السجادة في غرفة المضيفة، لكنها سرعان ما استسلمت لأفكارها واقتربت من عمود في وسط الغرفة واتكأت عليه.
وها هي ذا تشعر بنفسها أفضل الآن ولو بعض الشيء وتحرر قلبها من عبئه، وأشرقت عيناها الداكنتان البديعتان. عاد وجهها المتورم إلى رونقه الطبيعي. ما إن اتكأت على العمود حتى قطبت حاجبيها السوداوين المقوسين وهي تحدق في الممر الذي يقود إلى الشارع وتسمرت نظراتها في هذا الاتجاه، ثم هبطت الدرج من الشرفة المرتفعة وتحركت نحو الممر الذي يؤدي إلى مجرى النهر.
تدفقت المياه بالقرب من أحد الدكاكين، تمر مسرعة لمسافة عشرة أمتار تقريبًا عبر الفناء في الهواء الطلق قبل أن تتوارى مرة أخرى تحت الجسر. عثرت كوموش على بقعة جميلة بالقرب من جدول المياه المكشوف هذا، وبقفزة واحدة أصبحت على الضفة الأخرى، وجلست هناك. حدقت عيناها بحزن إلى سطح الماء.
كان تيار المياه الغزير الشفاف والنقي يتدفق في انسياب وسلاسة، وما إن يصل إلى موضع كوموش حتى تتدفق الأمواج الصغيرة إلى أعلى وكأنها تعلن عن حبها واحترامها للفتاة. كانت المياه عندما تصل إليها تدور ببطء في دوائر، متوهجًة ومحتفية بسحرها وجمالها، ثم تمتد إلى أبعد من ذلك في حلقات أكبر– فتجعل من انعكاس سحرها أكثر وضوحًا لمحبيها- ثم سرعان ما تعود لتنساب ببطء وتتوارى تحت الجسر.
أخذت الفتاة تحدق طويلًا في هذا التدفق اللامتناهي للمياه، ثم مدت يدها لتأخذ حفنة منها وترطب بها وجهها. أخذت بضع قطرات من المياه العالقة تقبل وجهها ثم تسقط ثانية في الجدول. وعند سقوطها بدت وكأنها قد منحت الماء حيوية وصفاء وحياة كاملة. ومن جديد تنشط المياه في الجدول الصغير وتندفع في قلق كمن يخشى مؤامرة تحاك حوله. وبعد حفنتين أو ثلاث من المياه وصلت حماسة الجدول إلى ذروتها.
شعرت كوموش بالتعب في قدميها الرقيقتين النحيلتين ومررت الماء على أسنانها الناصعة بلون اللؤلؤ مرتين أو ثلاث مرات أخرى، ثم غادرت ضفة النهر.
استعادت بعضًا من خفة قلبها، وعادت إلى المنزل عبر الممر. أصبح قوامها ممشوقًا أكثر، وسيرها أكثر رشاقة. لاحظت عائشة هذه التغيرات على ابنتها فصاحت في سعادة: "هل تشعرين بتحسن الآن يا ابنتي؟"
"الحمد لله، الآن أفضل."
"ابنتي، كفاك. لا تقومي بأي شيء، استريحي."
***
كانت أيام الشتاء قصيرة لدرجة أنه بالكاد يمكن للمرء أن ينجز أي شيء قبل غروب الشمس. وبدا ذاك اليوم أقصر من أي يوم آخر فها قد مضت نصف ساعة تقريبًا منذ وصل الضيوف. استقبلهم قوتيدار ورحب بهم ترحيبًا حارًا كعادته. كانت السفرة بها ما لذ وطاب من الأصناف الشهية جميعها. تنقلت تويبكة بين جناحي الرجال والنساء في المنزل وهي تقدم أطباق الطعام والمرطبات، وتبدل مفرش المائدة، وتقدم الشاي. وبعد أن وجدت فرصة للراحة، جلست بالقرب من أفتاب آيم لتأكل مما تبقى من طعام الضيوف.
سألت أفتاب آيم تويبكة: أجيبيني بصراحة من هؤلاء الضيوف؟ هل تعرفين أحدًا منهم؟
قالت تويبكة وهي تمضغ طعامها بسرعة وتملأ به جنبات فمها: "ياه! بينهم شاب صغير وسيم جدًا؛ إذا لم تحظي برؤيته، فاعتبري نفسك لما تخلقي بعد، أو تنعمي بالعيش على ظهر الأرض. يا له من شاب وسيم وحكيم وذكي للغاية، حتى إنهم جعلوه في أفضل مكانة وأعلاها بين الجلوس. يبدو أنه لما يبلغ العشرين بعد، وقد بدأ شاربه لتوه ينمو"، ثم أضافت ضاحكة وهي تنظر إلى كوموش: "إنه صهر جدير بنا".
عند سماعها هذا الوصف، ضحكت أفتاب آيم أيضًا ونظرت إلى ابنتها وسألتها: "هل ترين يا كوموش؟ هل سمعت ما يقولون؟ لقد عثرت تويبكة لك على زوج، وأنت لا تعرفين شيئًا سوى الأنين والشكوى من الصداع وألم الرأس". ابتسمت كوموش ابتسامة خفيفة رقيقة، فسمحت للحضور بالنظر والاستمتاع بجمال أسنانها ذات اللون الأبيض اللؤلؤي بين شفتيها الياقوتتين، لكن سرعان ما صارت ملامح وجهها جامدة باردة. "الآن أصبح من بين واجباتكم البحث عن زوج لي؟"
تجاهلت تويبكة سخرية كوموش وتذمرها وقالت لها: "أختاه، ما زلت تجهلين الكثير. يجب أن تلقي نظرة على ذلك الشاب، وعندها ستقعين في حبه، وتتمنين أن تبقي معه ما حييتي؛ حتى أنا في مثل عمري هذا كنت لأتمنى أن أتزوج شابًا مثله" وانفجرت ضاحكة.
سرعان ما أدارت كوموش وجهها عن تويبكة وهي تقول لها: إذًا فلتتزوجيه سريعًا. ردت وهي تضحك بصوت عال: ليتني أحظى بهذه السعادة، ولكني لا أستحق شعرة واحدة منه، أما أنت فتستحقين؛ فأنت ند له ومساوية له في المقام والجمال والمكانة. ليس من قبيل الصدفة مقولة "كل إناء على قدر غطائه" ها ها ها ها"
في وقت آخر ومناسبة أخرى، كانت كوموش لتستمتع بهذا النوع من النكات من تويبكة، لكنها الآن لا تستطيع استساغتها؛ لذا وبفعل الغضب غادرت مسرعة إلى المنزل لتنام. اعتقدت أفتاب آيم أن الأمر يتعلق بمجرد رغبة أحد الباشوات الشباب بقضاء بعض الوقت واللهو لا أكثر من ذلك، لذا فقد ظلت صامتة، ثم طلبت من تويبكة قائلة: "عمتي، ربما من الأفضل أن تلقي نظرة على المضيفة لتري ما إذا كانوا بحاجة إلى المزيد من الشاي؟
ابتلعت تويبكة ما تبقى من طعام، ثم خرجت وعادت سريعًا إلى الشرفة وهي ترتجف في حذائها كما لو أنها رأت شبحًا.
– "اللعنة، لقد كدت أموت من الخوف."
كانت عائشة جالسة على سجادة الصلاة ممسكة بالمسبحة، ولم تهتم بدخول تويبكة وواصلت صلاتها. أما أفتاب آيم التي كانت جالسة في الشرفة فابتسمت، وسألت بفضول "ماذا حدث؟ ما الذي جعلك تبدين هكذا خائفة؟"
جلست تويبكة تحت العمود، وهي تأخذ أنفاسًا عميقة حتى تهدأ ثم قالت: "أخذت مفرشًا من سيدي للخارج إلى الفناء حتى أنفض عنه الغبار وفجأة، رأيت شخصًا مختبئًا تحت شجرة الكرز وكأنه ظهر من تحت الأرض. صرخت من هول الصدمة؛ بدا لي أنه كان يتجسس على الضيوف."
"من عساه يكون؟"
"لم أستطع التعرف إليه في الظلام، لكن بدا لي أنه حامد الأسود. ربما كان هو أو شخصًا آخر. الله أعلم، ما إن رآني حتى ركض باتجاه الأشجار واختفى."
***
ودع قوتيدار الضيوف، وخلع ملابسه، واستعد للنوم، سألته أفتاب آيم "تويبكة تملأ الدنيا صراخًا في مدح جمال ذاك الشاب، لا نستطيع إيقافها، من عساه يكون هذا الشاب؟"
قال قوتيدار: "إنه ضيفنا، ابن صديقي المقرب الطشقندي، يوسف بك حاجي".
"وهل هو بالفعل يستحق هذا الثناء من تويبكة؟ هل هو كما وصفته وأفاضت في مديحه؟"
رد قوتيدار منتشيًا بعض الشيء: "نعم هو هكذا. لو منح الله كل أسره ابنًا، ليته يكون مثله". ضحكت أفتاب آيم حتى فقدت السيطرة على نفسها وهي تحكي ما قالته تويبكة لكوموش، ورد فعل الأخيرة، حتى إن قوتيدار لم يستطع مقاومة الضحك.
"تلك الثرثارة تقول الصدق، وما زالت في وعيها، نعم. ليتنا ننعم بصهر مثله".
6. سُحب دموية تخيم على طشقند
في تلك الأيام سرت شائعة في مرغلان مفادها أن "عزيز بك والي طشقند يقود تمردًا ضد قوقند. وسبق أن قتل مبعوثي الخان الذين قدموا لتحصيل الخراج والزكاة. وفي اليوم التالي أخذت الشائعات منعطفًا أكثر دراماتيكية: "أن الخان مسلمان قل قد أرسل قوات قوامها خمسة آلاف جندي تحت قيادة نور محمد قوشبكي لقمع التمرد في طشقند".
استقبل الناس هذه الأخبار والشائعات بهدوء وربما بعدم مبالاة. لم يكن الأمر مفاجئًا للكثيرين، ولم يكن ما يحدث صادمًا لأحد، لذا كان رد فعل الناس مبررًا؛ لأنهم عايشوا أنواعًا عديدة من الخصومات السياسية التي تحدث من وقت لآخر. لذا فقد كانوا يعلمون جيدًا أنه إن لم يحدث ذلك اليوم فسيكون في أي وقت آخر، وسيأتي أحد من قادة الجند، أو أحد رجال البلاط، أو أي شخص، لا يهم من يكون، من البكوات أو أبنائهم ويسعى للحصول على السلطة وإثارة الفتن والاقتتال الداخلي.
لكن لا يمكننا اعتبار أتابك من ضمن هذا الصنف من الناس؛ لأنه- وخلافًا لغيره- لم يستطع أن يتجاهل ما يدور من شائعات أو أن يظل هادئًا. فعند سماعه هذه التقارير، فقد شهيته. كان بإمكانه أن يرى بعينيه، ويتخيل بوضوح تام، العواقب الوخيمة، والأحداث الكارثية الكبرى التي ستنجم عن تلك الفوضى القادمة. لقد رأى المستقبل أمامه وكيف أن شعبه، وأمته المسلمة، تترنح وتسقط في الهاوية، حيث لا قاع، وأنها على وشك السقوط بشكل رهيب. وعندما سمع هذه الأخبار، أخذ يصلي ويتوجه إلى الله بالدعاء:" اللهم ارفع عنا واحمنا".
كانت تلك الأخبار كفيلة بأن تصيبه بالصدمة والذهول وتثير جروحه السابقة وذكرياته الأليمة تجاه الوضع في وطنه، وحال شعبه الذي بدا أمامه غير قادر على التمييز بين الحق والباطل وبين الخطأ والصواب، يتعطش لشرب دماء بعضه، وكل ذلك لصالح مجموعة من الطغاة الطموحين؛ ما يرسم لوحة قاتمة لمستقبل مخيف.
وبينما كان أتابك جالسًا، يائسًا، تائهًا غارقًا في التفكير، دخل حسن الحجرة ممسكًا برسالة في يده. وقال وهو يسلمها لأتابك: الرسالة من طشقند، ربما تكون من أبيك". فتح أتابك الرسالة، كانت مكتوبة على الورق بسن قلم رصاص سميك. وشرع أتابك يقرأ الرسالة:
"إلى الهدية التي بعثها الله الخالق العلي لنا، إلى نور أعيننا، ومصدر قوتنا، وثمرة حياتنا، ابننا الملا أتابك. نحن أباك الخانع الذليل أمام قدرة الله الخالق، وأمك الضعيفة الرقيقة وأصدقاءك المقربين، نحمد الله على ما نحن فيه من صحة ورخاء، ننعم بحفظ الرحمن ورعايته، وندعو الله ليلًا ونهارًا أن يمن على نور أعيننا ابننا العزيز بكل الخير. وليجمعنا الله في القريب العاجل في ساعة سعادة ونلتقي جميعًا مرة أخرى، آمين.
والآن نريد أن نخبرك يا بني أننا شكرنا الله كثيرًا عندما تلقينا رسالتك بخصوص وصولك بأمان إلى مرغلان. وربما تود الاطمئنان على الأوضاع في طشقند وأحوالنا هنا. وقد تكون قد علمت وأنت في مرغلان بما حدث هنا، وأن عزيز بك قد ثار وأعلن التمرد ضد حاكم قوقند بدعم من قوات مجهولة، وأنه قد قتل بكوات الديوان الذين قدموا لجمع الخراج وعلق رؤوسهم على بوابات القصر، وأن حاكم قوقند قد قرر اتخاذ إجراءات قاسية ردًا على ما حدث. لقد وصل إلى مسامعنا أن الوزير الأول نور محمد قد خرج من كيروفشتي في طريقه إلى طشقند على رأس جيش قوامه خمسة آلاف جندي. فأي مآسٍ جديدة تنتظر شعبنا يا بني؟
واليوم تعهد الشعب بالولاء لعزيز بك؛ الرجل ذاته الذي أذاق الناس الظلم، وضرب بسيفه الدامي أعناق الكثير من الأبرياء من رعيته فقتل؛ الآباء والأمهات والإخوة والأبناء، ذبحهم جميعًا وتُركت أشلاؤهم الممزقة لتتعفن في العراء. ومع ذلك وعده الشعب بالإخلاص والوفاء له، وأقسموا على الدفاع عنه حتى آخر قطرة من دمائهم.
وبأمر من عزيز بك، اجتمع أهالي طشقند جميعهم أمام القصر، وكان هناك ممثلون لأطياف المدينة كافة؛ من رجال الدين والعلماء.. إلخ. وقف عزيز بك في برج المراقبة بالقلعة فرحب بالجمع، وبلغ ذلك منهم أكبر الأثر فدمعت عيونهم. بني، بما أنك تستطيع التمييز بين الأبيض والأسود، اقرأ رسالتي هذه بعناية واهتمام.
لقد سأل عزيز بك الناس، وهو يشير إلى جثتي قتيلين معلقين على بوابة القصر: "أيها المواطنون، هل ترون هذين المجرمين؟ هل تعلمون لماذا يستحقان هذا العقاب؟"
فأجاب الناس: لا نعرف يا سيدنا.
أجاب عزيز بك عن سؤاله: "أمامكم جثتا اثنين من الأوغاد، من قادة مسلمان الأعرج، ينتميان إلى زعماء القبجاق، وهم أعداء كل فرد من قاره تشوبان، لقد أعدمتهما انتقامًا لكم يا بني أمتي، وثأرت منهما؛ كي ترتاح أرواح أبنائنا وجنودنا الذين استشهدوا على يد جنود القبجاق. أم ترون أنني كنت ظالمًا في تصرفي هذا؟"
صرخ الحضور:
"كان تصرفًا عادلًا، تصرفتم بعدالة يا مولانا؛ هكذا يجب معاقبة القبجاق."
وهنا انتقل عزيز بك إلى هدفه الحقيقي، وغايته الأساسية من هذه الخطبة: "اليوم يرغبون في الانتقام مني؛ لأني أخدمكم بإخلاص وتفانٍ، وسيسعون إلى نزع ولاية طشقند مني وربما قتلي لو استطاعوا. فما رأيكم في هذا الأمر وماذا أنتم فاعلون؟"
صاح الشعب بقوة حتى ارتعدت السماء من هول ذلك. صرخ الجميع: "أرواحنا فداؤك حتى آخر قطرة دم، فليجرب القوبجاق الاقتراب من هنا. ما دمنا أحياء لن يجرؤ أحد على مس شعرة منك."
شكر عزيز بك الرعية وصارحهم بالقول: "أشكركم أيتها الرعية، سمعت أن القوبجاق يتقدمون بقيادة الوزير الأول نور محمد باتجاه طشقند. فهل نحن مستعدون لصدهم أو لا؟"
أجاب القوم: "بالطبع، بالطبع، يجب أن نستعد يا سيدنا. إذا سمحت لنا، فسنبدأ اليوم بترميم دفاعات القلعة".
"شكرًا لكم يا رعيتي. طالما أحظى بدعمكم، فلا مدعاة للقلق".
"طالما كنت بأمان وسلام، فلن نمنح القبجاق الفرصة للوصول إلى مآربهم. بارك جهودنا يا سيدنا وسوف نشرع في ترميم القلاع وتدعيم الحصون". ومنحهم عزيز بك موافقته وبارك جهودهم وبدأ الناس في الاستعداد للمعركة.
بني، لا أعرف هل على أن أبكي أو أضحك على مصير القوم، ولكن رغم كل ما يحدث فإن غيومًا دامية عادت من جديد لتحوم فوق سماء مدينتنا طشقند، والله وحده يعلم كيف سينتهي الأمر. والأهم من ذلك، هناك شيء واحد أريد أن أذكرك به: أرجوك أن تتوخي الحذر عند الحديث في السياسة. كن حذرًا وفكر جيدًا قبل قول أي شيء.
تذكر دومًا الضحايا السابقين الأبرياء الذين راحوا ضحية تلك الأسباب البائسة نفسها. الله وحده يعلم ما نفكر فيه أنا وأنت في أعماقنا، غير أنه من المحتمل جدًا أن هناك في فيرجان من يُعدني مشاركًا ومناصرًا لعزيز بك، والأمر نفسه معك كونك ابن المتمرد؛ لذا اجعل خطاك دومًا وتصرفاتك تنطلق من هذه الفرضية. لا تنسَ أو تتجاهل الخطر المحدق بك في هذه الأيام العصيبة، واستمع جيدًا إلى نصيحتي لك، لا تأتِ إلى طشقند حتى تنتهي الأمور، وتهدأ هذه الفتنة تمامًا. وبعد أن يعم الاستقرار طشقند، وفي حال كنتُ على قيد الحياة سأكتب إليك وأخبرك.
أصدقاؤنا وأقرباؤنا جميعًا بخير وصحة جيدة. أبلغ حسن علي تحياتي وسلامي.
أبوك يوسف بك حاجي.
طشقند يوم 27 شهر الدلو 1264 هجرية."
أنهى أتابك قراءة الخطاب، ثم قرأه مرة أخرى؛ ليستوضح بعض النقاط التي لم يفهمها تمامًا. وعندما وصل إلى حديث أبيه عن عزيز بك انفجر غاضبًا "يا له من ثعلب خبيث!"
وعندما قرأ جملة "لا تحضر إلى طشقند حتى تهدأ الأمور"، ابتسم وقال في نفسه بعد معرفته باحتمال تأخير عودته إلى الوطن، "إذا كان الأمر كذلك، فليتها لا تهدأ أبدًا، وليت السلام لا يعم أبدًا."
7. الواجب
كانت الأخبار ترد إلى قوقند يوميًا، وقد مر خمسة عشر يومًا منذ أن شرع جنود قوقند يحاصرون مدينة طشقند، ومع ذلك لم يُتوصل إلى أي معلومات حول استعادة طشقند.
ومنذ أمس ترددت على شفاه الناس أخبار عن إصابة قائد الجند "نور محمد"، ومقتل 1500 من جنود قوقند". وبدا أن عزيز بك رجل صعب المراس يصعب إخضاعه.
اشتدت آلام أتابك بعد أن امتزجت أشواقه ومعاناته بسبب وقوعه في الحب، مع أخبار المأساة التي وقعت في بلده الأم. أصبح طوال الوقت يفكر في وطنه، وصار أكثر شرودًا وتفكيرًا، وأكثر حزنًا. ابتعد عن الناس وعزل نفسه في غرفته، ولم يتحدث بكلمة إلى أحد. يومًا بعد يوم، أصبحت غرفته هي عالمه الوحيد.
وفي أحد الأيام وبعد الانتهاء من شاي الصباح، قرر حسن علي تنفيذ ما عزم عليه في الليلة السابقة، عندما رأى ولاحظ أن سيده صار أكثر شحوبًا وحزنًا، وأنه بالكاد يغادر غرفته. وما أزعج حسن علي أنه صار عاجزًا عن مساعدة سيده، واكتفى بدور المراقب والملاحظ لحالته لا أكثر.
على أية حال، منذ اللحظة التي اكتشف فيها أن سبب تدهور حالة سيده وشروده هو ذاك الحب الخفي، لم يتركه بعيدًا عن نظره، وبدأ يبحث ويستقصي الأخبار عن هوية الفتاة التي وقع أتابك في حبها، ومن أي عائلة هي، وهل بمقدوره فعل أي شيء حيال ذلك؟ لكن حتى بعد أن عثر على إجابات لهذه الأسئلة لم يكن بمقدوره فعل شيء، وأخذ يترقب وينتظر ويقلب الأمور ويوازن بين خياراته.
فكَّر في أن أتابك ما زال شابًا صغيرًا هشًا، وأن الحب في فترة الشباب مثل طائر مجنح، اليوم هنا وغدًا في مكان آخر بعيد". لكن بعد أن لاحظ إصرار أتابك وشروده وشحوبة وجهه، وسلوكه الذي يسيطر عليه هوس الحب، الذي يتزايد يومًا بعد يوم، وجد نفسه مضطرًا إلى التخلي عن خطته الحالية، والبحث عن سبل أخرى لإنقاذ سيده.
وعلى الرغم من استقراره على قرار محدد، فقد تردد كثيرًا وأخذ يفكر في مئات من الخيارات الأخرى المختلفة. إلا أنه بعد اقتناعه أنه لا واحدًا منها بمقدوره التخفيف من معاناة أتابك وآلامه، وجد نفسه أمام حل واحد لا بديل عنه وقال في نفسه: دعونا نرى هل ستنجح خطتي أو لا؟
في ذلك اليوم تحديدًا، وبعد الانتهاء من العشاء، ذهب حسن علي إلى غرفته، واستبدل ملابسه، ثم دخل غرفة أتابك الذي وجده مستغرقًا في قراءة كتاب "بابرنامه"19. ومن باب التحوط، وحتى لا يكشف عن نيته الحقيقية، سأل حسن علي أتابك إذا كان في حاجة إليه: "هل ترغب في أي شيء يا سيدي؟ أرغب في الذهاب إلى الحمام".
أجاب أتابك، دون أن يرفع عينيه عن كتابه، "ليس لدي ما أقوم به اليوم. يمكنك الذهاب".
خرج حسن علي مع حلول الظلام. ومع الوقت حل ظلام دامس تدريجيًا، وغطت السماء غيوم كثيفة، في حين هبت ريح شديدة البرودة من الاتجاهات جميعها. تناثرت بقع صغيرة عشوائية من الجليد على شكل لولبيات صغيرة، مما شجع الناس على الفرار إلى دفء منازلهم.
عادة ما يصل الطين إلى مستوى الخصر خلال النهار؛ مما يهدد بامتصاص المشاة في المستنقع الدافئ، إلا أن اليوم تجمدت كتلة الطين تحت غطاء جديد من الجليد، مما يخلق مسارًا وممرًا يسيرين إذا شق المرء طريقه عبر التلال الصلبة من الأرض التي تنتشر في المنطقة. الآن أصبح السير سهلًا، وصوت تهشم الجليد الهش تحت وقع الأقدام يصدر صريرًا موسيقيًا جميلًا وكأنه لحن عذب.
وعلى الرغم من إغلاق المتاجر في هذا اليوم، فإن المقاهي كانت تعج بالبشر. أشعل الرجال ألسنة اللهب في المواقد، وأضرموا نيران المدافئ. كان هناك زوار يبحثون عن المتعة من خلال شرب الشاي الذي يقدمه الصبية في المقهى، أو ما يُقترح عليهم من مشاهدة الراقصات. ومن بين الزوار كان هناك شباب صغير، ورجال بعمائم كبيرة، وشيوخ جاوزوا السبعين من العمر. وفي ليالي الشتاء الطويلة كانت المقاهي دائمًا عامرة بالزوار؛ حيث يستمتع الحضور بشرب الشاي الذي يقدمه الصبية الصغار مستمتعين بجمالهم وهم يحمدون الله كثيرًا.
وصل حسن علي إلى منزل ضياء شاهيجي، وشق طريقه إلى الفناء المخصص لسكن الرجال، ونظر نحو نافذة مغلقة في المضيفة. يشير الضوء المنبعث من خلال نافذتها المطلة على الفناء إلى وجود شخص ما في المنزل. أصلح حسن علي ثيابه ثم دخل المنزل.
كان ضياء شاهيجي يصلي، شعر حسن علي بالراحة والسعادة أن كل شيء يسير وفق ما خطط له، وجلس ينتظر حتى ينتهي ضياء شاهيجي من الصلاة. أنهي الأخير التشهد الأخير، وألقى السلام يمنة ويسرة، ثم رفع يديه إلى السماء وهو على سجادة الصلاة داعيًا الله ومسبحًا في ختام الصلاة. ثم اقترب من الشيخ يلقي عليه التحية: "تفضل يا أبتِ، هل أنت على ما يرام؟ كيف لي أن أساعد؟ ما حاجتك؟"
"شكرًا لك، كل شيء على ما يرام."
جلسا حول المدفأة. ساد الصمت هنيهة وهما يجاهدان للعثور على الكلمات. وفي محاولة من ضياء شاهيجي لفهم سبب هذه الزيارة المفاجئة ألقى على حسن علي عدة نظرات، وكأنه يسأل، ما الغرض من زيارتك؟
"لا تنزعج، يا سيدي، فما حضرت إليك إلا مضطرًا، الظروف أجبرتني على ذلك.
"هل أتابك هو من أرسلك؟"
"لا، لقد جئت بمحض إرادتي يا سيدي."
مرة أخرى، لم يستطع ضياء شاهيجي فهم السبب من الزيارة.
والحقيقة أن زيارة الشيخ العجوز حسن علي وهو عبد أتابك، بدت غريبة وخارج إطار التقاليد؛ فمن غير المقبول ولا اللائق أن يتحاور رجل في مكانة ضياء شاهيجي مع عبد، ما بالك إذا كان الحديث عن أمر مهم.
أعاد سؤال ضيفه وهو في حيرة من أمره: ظروف؟ تحدث مباشرة؟"
ابتسم حسن علي وقال: "ستندهشون كثيرًا، وربما لن تصدقوني إذا عرفتم أن…"
"إلى هذا الحد؟"
تابع حسن علي: "كما تعلم، وصلنا إلى مرغلان منذ حوالي خمسة وعشرين يومًا؛ أي شهر تقريبًا، ومنذ مجيئنا مرض السيد أتابك مرضًا شديدًا".
تعجب ضياء شاهيجي:
"هل كان مريضًا؟ بدا أنه بصحة جيدة."
قال حسن علي: "أنت على حق". "لعدة أيام ظلت طبيعة مرضه غامضة حتى بالنسبة لي."
– "حسنًا، ما نوع المرض الذي يعاني منه؟"
– "الحب."
– "الحب؟"
– "نعم، الحب؛ لقد تبدل حاله تمامًا خلال الخمسة والعشرين يومًا الماضية، لن تصدق ذلك. لو تعرفون كم مرة خطرت على بالي أفكار وهواجس مختلفة خلال تلك الفترة".
– هل تعرف من وقع في حبها؟
– نعم أعرفها، إنها ابنة السيد قوتيدار.
هتف ضياء شاهيجي قائلًا: يا له من اختيار! سرح بخياله للحظات ثم سأل: "هل أنت متأكد من ذلك؟"
– نعم أنا على يقين من ذلك.
– هل أخبرك هو بذلك؟
– لم يخبرني في الواقع، لكنه ألمح إلي فحسب.